المرتزقة- جملة لا محل لها من الإعراب في أوطان الولاء.

المؤلف: عبداللطيف آل الشيخ11.06.2025
المرتزقة- جملة لا محل لها من الإعراب في أوطان الولاء.

في رحاب اللغة العربية الساحرة، يتجلى لنا مصطلح فريد يصف نوعًا من الجُمل المتمردة، تلك التي لا تتقيد بقواعد الإعراب الصارمة، ونعني بها "جملة ليس لها محل من الإعراب".

‏هذه الجُمل، كالطيور الحرة، تحلّق في فضاءات لغوية خاصة، حيث تعجز قوانين الإعراب عن الإحاطة بها بشكل كامل ومباشر. ولكن، ما الرابط الخفي الذي يجمع بين هذا المفهوم اللغوي ومفهوم "المرتزق" الذي يثير الجدل في عالم السياسة والمجتمع؟

‏المرتزق، في أبسط تعريفاته، هو ذلك الشخص الذي يمتهن القتال أو العمل لصالح دولة أو جماعة، دون أن يربطه بها أي ولاء حقيقي أو انتماء صادق. إنه مدفوع أساسًا بالبحث عن المال الوفير أو تحقيق مكاسب شخصية آنية.

‏هذا الصنف من البشر قد يُنظر إليه، في بعض الأوساط، كأنه كائن غريب لا محل له من الإعراب في نسيج المجتمع أو الدولة التي يخدمها بأجره. والسبب في ذلك يكمن في أنه، على غرار الجملة التي لا محل لها من الإعراب، لا يندمج بشكل كامل في السياق الذي يعمل فيه، ولا يتأثر بالقيم والأعراف الراسخة التي تحكم هذا السياق وتوجهه.

‏وفي معترك السياسة ودهاليز الاجتماع، يمكننا القول بكل ثقة إن المرتزق كائن لا محل له من الإعراب للأسباب التالية:

‏هو شخصية غير مستقرة ومتقلبة، فلا يُمكن التعويل عليه أو الوثوق به على المدى الطويل، إذ أن ولاءه رهن بما يجنيه من أرباح ومنافع شخصية عاجلة.

‏هو عنصر دخيل لا ينتمي بجذوره إلى الأرض التي يعمل فيها، فعلى الرغم من أنه قد ينخرط ظاهريًا ضمن مجموعة أو دولة ما، إلا أن انتماءه الحقيقي والوحيد هو لمصلحته الذاتية الضيقة، وليس للمجتمع الذي يحتضنه أو للقضية التي يدعي دعمها.

‏هو متمرد على القواعد والأصول، فكما أن الجملة التي لا محل لها من الإعراب تخرج عن قيود اللغة، فإن المرتزق لا يلتزم بقواعد الولاء والانتماء والقيم الأخلاقية التي تنظم سلوك الأفراد والمجتمعات والدول.

هذا المفهوم العميق يمكن إسقاطه على العديد من الأحداث والشخصيات البارزة في صفحات التاريخ وعلى أرض الواقع المعاصر، حيث نرى أفرادًا أو جماعات ينتقلون ببراغماتية وانتهازية من معسكر إلى آخر، بحثًا عن أفضل العروض والميزات، دون أن يكون لهم أي هوية راسخة أو انتماء حقيقي يُمكن الركون إليه.

‏وختامًا، يمكننا التأكيد أن المرتزق، من خلال تخليه عن الولاء المطلق وانجرافه وراء المصالح الشخصية العابرة، يجسد تمامًا تلك الجمل المارقة التي لا محل لها من الإعراب في قواعد اللغة العربية، فهو وإن كان جزءًا من المشهد العام، إلا أنه في الوقت نفسه كيان منفصل ومنعزل، لا يلتزم بقواعده الضمنية ولا ينتمي إليه بروحه وجوهره بشكل كامل.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة